الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط
.خاتمة الكتاب: نَحْمَدُك يَا مَنْ جَعَلْت الشَّرِيعَةَ الْغَرَّاءَ كَشَجَرَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى نِهَايَةِ خُلَاصَةِ الْأَصْفِيَاءِ وَذَخِيرَةِ نُخْبَةِ الْعُظَمَاءِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْأَمِينِ الْقَائِلِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ نَجَمُوا فِي جَبْهَةِ الدُّنْيَا بُدُورَ هُدًى وَكَانُوا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ خَيْرَ قُدْوَةٍ لِمَنْ اقْتَدَى وَعَلَى التَّابِعِينَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُرْشِدِينَ الْقَائِمِينَ بِعَهْدِهِ الرَّاشِدِينَ بِرُشْدِهِ وَبَعْدُ، فَإِنَّ مِنْ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَائِرِ أَنَّ ظُهُورَ الْإِنْسَانِ بِمَظْهَرِ الشَّرَفِ فِي الدَّارَيْنِ وَنَيْلَهُ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فِي الْكَوْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِتَحْلِيَةِ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ تَزْكِيَةِ الْبَاطِنِ بِالْعَقَائِدِ الْيَقِينِيَّةِ.فَالْعِلْمُ الْمُتَكَفِّلُ مِنْ بَيْنِ الْعُلُومِ بِبَيَانِ الْأُولَى لَا رَيْبَ يَكُونُ بِالِاشْتِغَالِ أَوْلَى، وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ الَّذِي اعْتَنَى بِشَأْنِهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ عِصَابَةٌ هُمْ أَهْلُ الْإِصَابَةِ.فَبَيَّنُوا الْمَعْقُولَ فِيهِ وَالْمَنْقُولَ وَاسْتَخْرَجُوا أَغْصَانَ الْفُرُوعِ مِنْ شُعَبِ الْأُصُولِ وَإِبْرَازَ حَقَائِقِهِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَزُوا دَقَائِقَهُ وَقَنَصُوا شَوَارَهُ وَنَظَمُوا قَلَائِدَهُ وَذَلَّلُوا مَصَاعِبَهُ وَقَرَّبُوا مَطَالِبَهُ وَأَلَّفُوا فَأَجَادُوا وَصَنَّفُوا فَأَفَادُوا، وَأَسْنَى مَا أُلِّفَ فِيهِ وَأَبْدَعُهُ وَأَعْذَبُهُ مَوْرِدًا وَأَحْكَمُهُ وَأَجْمَعُهُ (كِتَابُ الْمَبْسُوطِ) فِي فِقْهِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ غَيْثَ الرَّحْمَةِ وَشَآبِيبَ الرِّضْوَانِ، تَصْنِيفُ الْعَلَمِ النِّحْرِيرِ ذِي الْإِتْقَانِ وَالتَّحْرِيرِ وَالْحُجَّةِ لِمَنْ بَعْدَهُ وَالْبُرْهَانِ الَّذِي يُوقَفُ عِنْدَهُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَحَبْرِ الْأُمَّةِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَعَلَ دَارَ النَّعِيمِ مَثْوَاهُ كِتَابٌ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ جَمَعَ فَأَوْعَى.وَأَحَاطَ بِالنَّوَادِرِ وَالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ جِنْسًا وَنَوْعًا.وَاسْتَخْرَجَ مِنْ بِحَارِ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ دُرَّهَا وَقَرَّبَ لِلْمُجْتَنِي أَزْهَارَهَا وَأَثْمَارَهَا وَأَبْرَزَ دَقَائِقَهَا وَكُنُوزَهَا وَحَلَّ غَوَامِضَهَا وَرُمُوزَهَا وَنَظَمَهَا فِي سُمُوطِ أَبْوَابِ كِتَابِهِ أَبْدَعَ نِظَامٍ وَأَدْرَجَهَا فِي أَدْرَاجِ فُصُولِهِ مَعَ حُسْنِ انْسِجَامٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي بِظُهُورِهِ فِي عَالَمِ الْمَطْبُوعَاتِ سُدَّتْ فُرْجَةٌ وَاسِعَةٌ فِي مُؤَلَّفَاتِ فِقْهِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ، فَإِنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي مَذْهَبِهِ هِيَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْفُرُوعِ، وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْأَبْعَاضُ، وَهُوَ الْكُلُّ وَالْجَدَاوِلُ، وَهُوَ الْبَحْرُ الزَّاخِرُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَاتِيك الْكُتُبِ إذَا وَرَدَتْ فِيهَا مَسَائِلُ تَسْتَعْصِي عَلَى الْفَهْمِ.وَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ وَآرَاءُ الْفُقَهَاءِ أَحَالُوا الْحُكْمَ فِيهَا عَلَى كِتَابِ (الْمَبْسُوطِ) عَلَى أَنَّ الْحُصُولَ كَانَ عَلَيْهِ عَسِيرًا.وَكَمْ طَرَقَ فُقَهَاءُ هَذَا الْمَذْهَبِ أَبْوَابَ الْمَكَاتِبِ.وَطَالَمَا نَقَّبُوا عَنْهُ فِي أَدْرَاجِ الْكُتُبْخَانَاتِ فَمَا عَثَرُوا عَلَيْهِ، وَلَا اهْتَدَوْا إلَيْهِ.وَمَا أَحْوَجَ عُلَمَاءَ الْفِقْهِ إلَى كُتُبٍ تَجْمَعُ أَقْوَالَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ يَكُونُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا.وَكِتَابُ (الْمَبْسُوطِ) جَمَعَ كُلَّ الْمَسَائِلِ الَّتِي دَوَّنَهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَالْإِمَامُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَعْلَامُ الْمَذْهَبِ الَّذِينَ يُعْبَأُ بِكَلَامِهِمْ فَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الْكِتَابِ وَلِلَّهِ بَرَاعَةُ عِبَارَاتِهِ وَلَطَافَةُ إشَارَتِهِ وَتَنْبِيهَاتُهُ النَّافِعَةُ وَتَنْوِيرَاتُهُ السَّاطِعَةُ.الشَّاهِدُ لَهُ بِعُلُوِّ دَرَجَتِهِ.وَزِيَادَةِ مَزِيَّتِهِ.وَلِمُؤَلِّفِهِ بِسَعَةِ اطِّلَاعِهِ وَطُولِ بَاعِهِ.وَطَالَمَا تَشَوَّقَ الْعُلَمَاءُ.إلَى بُزُوغِ بَدْرِهِ.وَتَشَوَّفَ الْفُقَهَاءُ إلَى تَرْشِيفِ ثَغْرِهِ.وَبَقِيَتْ النُّفُوسُ مُتَطَلِّعَةً إلَى طَلْعَةِ بَدْرِهِ الْكَامِلَةِ.وَالْأَنْظَارُ مُتَوَجِّهَةً إلَى تَخَلُّصِهِ مِنْ حُجُبِهِ الْحَائِلَةِ حَتَّى وَفَّقَ اللَّهُ لَهُ صَاحِبَ الْأَعْمَالِ الْمَشْكُورَةِ.وَالْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ (حَضْرَةُ الْمُحْتَرَمِ الْحَاجُّ مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي السِّيَاسِيُّ الْمَغْرِبِيُّ) فَأَخَذَ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي أَسْبَابِ تَسْهِيلِهِ بَاذِلًا هِمَّتَهُ فِي طَبْعِهِ لِعُمُومِ نَفْعِهِ وَقَسَّمَهُ إلَى ثَلَاثِينَ جُزْءًا وَكُلُّهَا بِحَمْدِ اللَّهِ تَمَّتْ طَبْعًا مَعَ كَمَالِ التَّصْحِيحِ وَالتَّحْرِيرِ وَالتَّنْقِيحِ بِمُبَاشَرَةِ عِصَابَةٍ أُولِي نَجَابَةٍ وَبَرَاعَةٍ وَإِصَابَةٍ، فَبَذَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَهْدَهُ بِقَدْرِ مَا لَدَيْهِ.هَذَا وَكَانَ طَبْعُهُ النَّاضِرُ وَوَضْعُهُ الْبَاهِرُ بِمَطْبَعَةِ السَّعَادَةِ، الثَّابِتُ مَرْكَزُهَا بِجِوَارِ مُحَافَظَةِ مِصْرَ إدَارَةُ مُهَذِّبِ الطَّبْعِ ذِي الْقَدْرِ الْجَلِيلِ حَضْرَةِ الْمُحْتَرَمِ مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي إسْمَاعِيلُ مَنَحَهُ اللَّهُ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ.وَكَانَ لِطَبْعِهِ الْخِتَامُ وَلُبْسِهِ وِشَاحَ التَّمَامِ فِي شَعْبَانَ مِنْ عَامِ 1331 هِجْرِيَّةً عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ آمِينَ.
|